عدد فبراير 2021

ليس من السهل أبدا أن يكون الإنسان تحت الأضواء، والأصعب من ذلك أن يجد نفسه تحت الأضواء منذ ولادته كما حدث مع شام الذهبي، كونها ابنة النجمة الكبيرة أصالة، كانت شام تحت الأضواء منذ نعومة أظافرها نظرا لشهرة والدتها في جميع أنحاء الوطن العربي، وتحملت أكثر بكثير مما يتحمله من في سنها، عندما تقابل شام الذهبي لأول مرة بكل ما تحمله من ثقة وما صنعته من انجازات لا ترى هذه الطفولة التي لا يمر بها إلا عدد محدود من الأشخاص، فهي اجتماعية جدا ولا تعتمد على شهرة والدتها في حياتها الخاصة والعملية، تبدو كشخص طبيعي جدا، رغم أن ما مرت به ليس طبيعي على الإطلاق.

اليوم شام هي متخصصة في العناية بالبشرة، تدير عيادات العناية بالبشرة الخاصة بها DAO Derma Skin Clinic  وتحقق نجاحا تلو الآخر وأصبحت عياداتها مكان موثق به من قبل العديد من المشاهير والشخصيات العامة.

تحدثت أمنية زايد مع شام بعيادتها وكان الحوار بمثابة رحلة في عمر شام من طفولتها حتى وصولها إلى ذلك النجاح الكبير في سن صغير.

لم يكن من السهل أن أفهم وأستوعب شخصية شام الحقيقية، لذلك لم يكن الحوار مجرد جلسة واحدة، بل تكررت الجلسات حتى استطيع أن أكتب هذا المقال، فهي تعودت ألا تكشف شخصيتها الحقيقية بسهولة بسبب تواجدها تحت الأضواء طوال عمرها، فهي تحسب كلماتها وحركاتها ولا يمكن أن تظهر ما بداخلها بسهولة، لم أنجح في اللقاء الأول ولا الثاني في الوصول إلى عمق شخصية شام، في اللقاء الثالث تمكنت أخيرا من فك شفرة شخصيتها، بعد أن أظهرت هي جانب كبير لا تظهره عادة.

ولدت شام في دمشق وكانت طفولتها في بيت لا يتمتع بالاستقرار الذي يجب أن ينمو فيه أي طفل بسبب خلافات والدها ووالدتها، وتحملت شام على صغر سنها ذلك التوتر بصورتين، بصورة مباشرة في المنزل وبصورة غير مباشرة نتيجة مطاردة الصحافة لأخبار والدتها، والأصعب هو أنها كانت ترى ذلك في أعين من حولها من زملاء الدراسة والمدرسين في مدرستها، تقول شام عن ذلك: “تزوج والدي ووالدتي في سن صغير وأنجبوني سريعا، الشهرة الكبيرة التي حققتها أمي بعد ألبومها الأول أثرت سلبا على زواجها.”

كان الحل الأمثل لشام في ذلك العمر هو الغرق بشكل كبير في دراستها حتى تهرب من الأحداث حولها، كانت تحب شام العلوم بشكل واضح، عرفت ذلك من الدرس الأول لها في صف العلوم، وظهر بداخلها ذلك الصوت الذي يهتف عاليا هذا أنا، هذا ما أحبه هذا ما أجد نفسي فيه وهو ما أستمر معها طوال سنوات طفولتها في دمشق وانتقل معها إلى مدرستها في دبي عندما انتقلت أسرتها إلى هناك، وحتى عندما انتقلت إلى مدرسة داخلية في سويسرا كان اهتمامها بالعلوم في أول قائمة اهتمامتها، ولم ينتهي الأمر عندما انتقلت إلى القاهرة في مرحلة الدراسة الثانوية.

على الرغم من دعم والدتها الدائم ومحاولتها لإغراقها بالحب إلا أن شام تأثرت كثيرا بما حولها من مشاكل “في طفولتي كنت أنظر للأطفال من حولي وأشعر أنهم يعيشون حياة بسيطة لا يحملون الهموم التي أحملها على أكتافي، كنت أخاف على أمي بشدة ولم استطع أن أعبر عن تلك المشاعر وقتها بشكل واضح، احتفظت بتلك المشاعر بداخلي وتحولت مع الوقت إلى هموم تثقل أكتافي.”

عندما زادت الضغوطات قرر والديها إرسالها إلى مدرسة داخلية بسويسرا، لتعيش بعيدا عن الأجواء المتوترة في أسرتها وكذلك تتلقى مستوى تعليم يليق بها، وعادت بعدها إلى مصر لتدخل المرحلة الثانوية بأحدى المدارس التي درست بها الرياضة والفيزياء والكيمياء وحصلت على درجات عالية كانت السبب في قبول جماعة “إمبريال كوليدج” المرموقة في لندن لها “كنت متوفقة دراسيا جدا وعلى المستوى الشخصي كانت العلوم واحدة من هواياتي، دائما أبحث عن تفسير لما يدور في الكون من حولي وكانت القراءة الهواية الثانية فدمجت بين الاثنين وساعدني في ذلك مجموعة من المدرسين الجيدين في المدارس المختلفة التي ألتحقت بها كانوا جميعا يساعدوني على تنمية موهبتي ومساعدتي في اهتماماتي، جدتي ومدرسين المدرسة ومجموعة من أهل أصدقائي كانوا بمثابة الملاك الحارس في حياتي.”

انجازات شام الدراسية في مرحلة الثانوي ضمنت قبولها في جامعة “إمبريال كوليدج” في لندن، لكن بعد قضاء فصل دراسي واحد هناك اضطرتها الظروف إلى العودة لمصر والتحقت بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وكان سبب العودة هو زواج والدتها وحملها وكان لابد أن تكون بجوارها في تلك الفترة.

بعد تخرجها من الجامعة الأمريكية، كانت مستعدة للسفر مرة أخرى لتحضير رسالة الماجستير في الكيمياء العضوية في جامعة أكسفورد في إنجلترا ولكن قبل سفرها بيوم واحد طلبت منها والدتها عدم السفر، وشعرت شام وقتها أنها لا تريد أن تشعر أمها بالخذلان، وعوضا عن ذلك حصلت شام على شهادة الماجستيرمن القاهرة في آلة البيانو، والتحقت ببرنامج تدريبي في شركة “إيفا فارما” تتذكر شام تلك الفترة “عملت في قسم البحوث والتطوير في شركة إيفا فارما تحديدا قسم التجميل، وكنت أحب عملي هذا بشدة، كنت أشعر أني طفلة في متجر يبيع الحلوى.”

من الشخصيات التي لا تنسى شام فضلها الرئيس التنفيذي لشركة إيفا كوزمتيكس ياسمين أرمنيوس التي شجعتها وساعدتها على الحصول على شهادة الماجستير من الجامعة الأمريكية بالتوازي مع عملها في قسم الأبحاث والتطوير وهو ما ساعدها كثيرا في رسالة الماجستير “أدين بالكثير لياسمين هي واحدة من الأسباب التي ساعدتني في إنشاء DAO Derma Skin Clinic  الأبحاث التي أجريتها في شركة إيفا فارما علمتني الكثير والكثير والذي ساعدني بعد ذلك، الأمر كله أهلني للحصول على منحة دراسية لرسالة الدكتورة في جامعة كامبريدج.”

ولكن مرة أخرى يلعب القدر لعبته، تعطلت مسيرة تعليمها بالخارج لأسباب أسرية، أثناء عودتها في إجازة العام الجديد وجدت أمها تمر بأزمة انفصالها، فكان قرار شام هو عدم إكمال رسالة الدكتوراة والبقاء بجانبها، لكن كان لأصالة رأي مختلف، كانت ترى أن على شام استغلال فرصة توقف دراستها والعمل على اقتحام الحياة العملية، فهي كانت ترى أن شام تهرب من الحياة العملية عن طريق الدراسة “كنت بالفعل أهرب من مواجهة الحياة العملية بالانغماس في الدراسة” بسبب نصيحة والدتها قررت شام إنشاء عيادتها الخاصة DAO Derma Skin Clinic  والتي أصبحت بداية جديدة في حياتها. “اسم عيادتي مستوحى من اسم أحد المذهاب الفلسفية في شرق الصين، والذي كانت تحدثني عنه أستاذتي كثيرا، المذهب ببساطة يتحدث عن التعامل مع كافة متغيرات الحياة بشكل مرن، أن يصبح الإنسان مثل الماء متدفق ولا يعوقه أي شيء.”

نصيحة والدتها كان لها مفعول السحر في حياتها، DAO Derma Skin Clinic  أجبرت شام على مواجهة الحياة بالفعل والخروج من قوقعتها، شام اليوم ليست فقط كيميائية، هي مديرة تدير أعمالها وتفكر في كافة الأمور المالية والإدارية التي تساعد عيادتها، وتحتك مباشرة بعدد كبير من العملاء على مختلف أنواعهم، هي تقف وجها لوجه أمام أكبر مخاوفها وتنتصر عليها “لم أكن أتخيل أبدا أن ينتهي بي المطاف مديرة لمشروعي الخاص، كنت أظن أني سأتفرغ للتدريس والعمل كاستشارية لأحد الشركات الكبرى، أن يخرج الكيميائي من معمله ليواجه الناس أمر ليس سهل على الإطلاق.”

استطاعت شام تجاوز هذا التحدي، اليوم بعد مرور أكثر من عام ونصف على افتتاح عيادتها DAO Derma Skin Clinic  أصبحت واحدة من أكبر عيادات التجميل والعناية بالبشرة في مصر والتي تقدم عدد كبير من الخدمات لعملائها ومنها خدمات حصرية موجودة فقط في عيادتها مثل Vitamin Drips و Cryotherapy “لم يكن هدفي الربح أو أي هدف تجاري، فقط أريد أن يشعر الناس بشعور جيد بعد زيارة العيادة، سواء بسبب الخدمة المميزة التي يحصلون عليها أو التعامل الجيد مع فريق العمل في العيادة.”

الآن بدلا من الاختفاء خلف كتبها بسبب DAO Derma Skin Clinic تتعامل مع العملاء بشكل يومي وتضع الخطط التسويقية وتجيب على الاستفسارات التي تأتيها عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة كل ذلك بالإضافة إلى تطوير خط العناية بالبشرة الخاصة بها، وفي الجمعة الأولى من كل شهر والتي عنوانها DAO  تنشر الحب عن طريق استضافة مجموعة من الأيتام والناجيات من سرطان الثدي وتتيح لهم العيادة الاستمتاع بخدماتها المختلفة “هذا اليوم يسعدني جدا، أتمنى لو أملك القدرة على مساعدة الناس على تخطي الظروف التي يمروا بها، طفولتي كانت صعبة وطفولة أمي كانت أصعب، لكني تعلمت من ذلك ألا يكسرنا الألم على العكس يجب أن يساعدنا على العطاء والاستمرار في الحياة.”

رغم نجاح عيادتها الباهر لا تزال ترى شام العام الماضي عام التوتر والمخاوف “كنت أخاف من الفشل، تربيت في ظل امرأة ناجحة ومشهورة وكان هذا هو طموحي الوصول لهذه الدرجة من النجاح، وعندما تعيش تحت الأضواء يكون نجاحك كبيرا وكذلك فشلك، لذلك كنت أخاف بشدة أن أفشل أمام كل هذه العيون والأهم من ذلك هو الفشل في عين أمي، أردت أن أشعرها بالفخر وهي تراني أخطو خطواتي الأولى في حياتي العملية بنجاح، لكن في نفس الوقت كنت أتحرك وأنا مؤمنة بأن الاستعداد للتعلم والنية الصادقة في تحقيق النجاح أسلحة كافية لخوض تلك المعركة، دائما ما يقف الله بجانب المجتهد”

تلك الثقة في النفس والإيمان القوي لم تصل له شام بسهولة، استلزم الأمر بعض الوقت والكثير من المحطات “في يوم من الأيام بكيت بشدة وتحدثت مع الله وأخبرته بأني أفعل أفضل ما عندي، طلبت من الله أن يقف بجانبي وأن يشفي هذا الألم الذي أشعر به بداخلي، وقد كان، من يومها وأنا أشعر بوجود الله حولي، وأشعر برحمته ومساعدته لي.”

بعد كل ما مرت به شام أصبحت أقوى بكثير، ودائما ما تردد مقولة والدتها “المحنة تولد فرج” هي تؤمن بتلك المقولة جدا، استطاعت شام الوصول لحالة السلام النفسي عندما تصالحت مع ماضيها وقبلت كل ما مرت به كما هو، اليوم عندما يزور العملاء عيادة DAO Derma Skin Clinic يجدون في استقبالهم شام بكامل طاقتها واستعدادها لتقديم كل ما يبحثون عنه، اليوم شام تقف أمام شاهد نجاحها بفخر وتسعى لما هو أكثر.

تصوير: كريم رشدي